• ×

05:09 مساءً , الجمعة 19 رمضان 1445 / 29 مارس 2024

الكاتب : عبداللطيف الضويحي

فطن ونبراس واحد × اثنين عبداللطيف الضويحي

الكاتب : عبداللطيف الضويحي

 0  0  1.5K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
فطن ونبراس واحد × اثنين
عبداللطيف الضويحي
لست متأكدا أيهما يأتي أولا المخدرات أم الإرهاب إحصائيا، لكن المؤكد أن أحدهما يصنع الآخر عند نقطة ما في معادلة نفسية اجتماعية واقتصادية يمر بها الفرد. وأن المسافة بين الإرهاب والمخدرات ليست كبيرة، إذا كانت هناك مسافة أصلا، لأن أي متعاطٍ للمخدرات اليوم هو نواة لمشروع جريمة أو مشروع إرهاب غدا، خاصة مع تعدد أنواع المخدرات ومع تنوع الأساليب المبتكرة للمخدرات.
وبغض النظر عما إذا كان الإرهاب أولا أو المخدرات، فإن المؤكد أن زراعة وصناعة وتجارة الإرهاب أصبحت عابرة للدول والقارات مثلما هي زراعة وصناعة وتجارة المخدرات.
لم تكن الفرصة متاحة للمجتمع والرأي العام للاطلاع على ثقافة الإرهاب وثقافة المخدرات كما هي اليوم، لكن الفرصة ذاتها لا تتيح للمجتمع والرأي العام نفس القدر للاطلاع على حجم الأموال المستثمرة في المخدرات والإرهاب سواء كانت بدافع اقتصادي أو بدوافع أخرى وسواء كان وراءها دول أو مافيات أو أفراد، لا يختلف الأمر أمام المجتمع ومؤسسات الدولة المختلفة في فهم واستيعاب حرب المخدرات والإرهاب.
أعرف وأنتم كذلك تعرفون أن وزارة التعليم مشكورة قد أطلقت برنامج «فطن» كما نعرف أن اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات قد أطلقت هي الأخرى برنامج «نبراس» وكلا البرنامجين يسعى لتعزيز القيم الاجتماعية وترسيخ مبادئ المواطنة السوية ويسعى لترميم العلاقات وتطبيع بعض تلك العلاقات التي تأثرت سلبا بموجات التطرف والتشدد والطائفية والكراهية جراء ما حملته وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي من زبد وماء، لبناء تلك العلاقات وترميم بعضها على أساس من القيم الوطنية والمصالح المشتركة والسعي لاستكشاف النتوءات التي تسببت بها بعض التقاليد التراثية الشاذة من عنف اجتماعي وأسري وما نتج عن فكر التسلط وثقافة الإلغاء المتوارثة.
لقد أصبح لزاما على المجتمع ومؤسساته ممارسة أقصى المراحل الاستباقية في استكشاف عالم المخدرات وخلاياه المستيقظة، فأي خلية مخدرات يتم اكتشافها أو الكشف عنها، هو ببساطة كشف واكتشاف استباقي لخلية إرهابية وإجرامية كامنة، وخلية المخدرات التي يتأخر اكتشافها ببساطة يعني منح تلك الخلية الوقت الكافي لتكون خلية إرهابية وإجرامية تنتظر التوقيت المناسب لتعلن هي عن نفسها بكارثة محققة تراجيدية في مكان ما من هذا العالم الذي أصبح ساحة حروب مفتوحة للمخدرات والإرهاب وتجارة السلاح وإعادة تشكيل الانتماءات والمصالح عبر سهولة التواصل في ظل نظام عولمة كل شيء.
أظن بدرجة كبيرة أن «فطن» و«نبراس» سيحدثان أثرا وفارقا مهما في استكشاف كثير من المسلكيات الخاطئة على صعيد التربية والتنشئة، وعلينا أن نعمل على إعداد برامج الوقاية وألا نخلط ما بين التشخيص والوقاية والعلاج، فتفشل هذه المساعي كما فشلت حملات سابقة نتذكرها كما نتذكر حملات أسبوع المرور والحفاظ على البيئة وغيرهما.
مشكلة «فطن» و«نبراس» أنهما برنامجان اثنان وليسا برنامجا واحدا، وهذا سيبعثر الجهود والتخطيط ومؤسسات المجتمع المستهدفة، وهو ما يؤكد على نقطتي السابقة، بأن كثيرا من الحملات التي تم إطلاقها سابقا في مجالات شتى، كانت تخلط كثيرا بين التشخيص والوقاية والعلاج، خاصة أن بعضا منا «طبيب لكل الأمراض» والبعض منا لا يؤمن كثيرا بسياسة أعط الخبز للخباز، ونحب كثيرا أن نطبخ كل شيء حتى لو ننتهي كلنا إلى «الكبسة».
إن عملا بحجم «فطن» وبحجم «نبراس» يتطلب أن يكونا برنامجا واحدا وسياسة واحدة وإجراء واحد ونتائج واحدة وعمليات واحدة وهذا ما يجعلني أربط بين استمرار تشتت الجهود وتوزيعها كل منها مهمة مؤسسة حكومية معينة بدلا مما أن تكون مركزية وموحدة على مستوى الدولة، لكي لا يخضع كل منها لرؤية ومنهجية وميزانية وهو ما يفقد تلك البرامج بعدها الاستراتيجي المرجعي.
وهذا هو مصدر تساؤلي الذي أوجهه لمجلس الشورى حول بعض قراراته لبعض المسائل الوطنية الإستراتيجية، فلا زال الغموض يلف موقف وقرار مجلس الشورى في إجهاضه التشريع المتعلق بنظام الوحدة الوطنية، تماما مثلما أن ذات الغموض والاستغراب يلف موقف مجلس الشورى وقراره بإجهاض مشروع فحص المخدرات للطلاب والموظفين.
لا أقلل طبعا من أهمية برنامج «فطن» أو برنامج «نبراس» الحاليين، لكنني أعتقد بدرجة عالية من الشفافية أن قراري مجلس الشورى حول مشروع الوحدة الوطنية والفحص ضد المخدرات، كانا سيمثلان حجر الزاوية في مشروع إستراتيجي واحد وموحد يجمع بين أهمية «نبراس» وحيوية «فطن»، لو أن قرارات مجلس الشورى كانت مختلفة، لذلك أعتقد أن مجلس الشورى يجب أن يقرأ المستقبل جيدا وأن يراجع قرارته حول الوحدة الوطنية وفحص المخدرات في ضوء الرؤية الواضحة لدى كل من وزارة التعليم في برنامج «فطن» واللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات في «نبراس».

التعليقات ( 0 )