• ×

10:28 صباحًا , الجمعة 19 رمضان 1445 / 29 مارس 2024

الكاتب : عبداللطيف الضويحي

الشرق الأوسط المؤقت... عبداللطيف الضويحي

الكاتب : عبداللطيف الضويحي

 0  0  2.6K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الشرق الأوسط المؤقت...
عبداللطيف الضويحي
إحدى المدارس أرادت إدارتُها أن تقيم حفلا مسرحيا بحفل نهاية العام، لكن إدارة المدرسة كسرت أعراف وتقاليد المسرح فألغت الفارق ما بين الممثلين والجمهور وجعلت الممثلين والجمهور شيئا واحدا، ودمجت الاثنين وظيفيا ليشترك الجميع بهذه المسرحية من طلاب المدرسة البالغ عددهم 500 طالب بهذا العمل المسرحي. وكانت الرؤية لهذا الدمج أن يتحمل الجميع مسؤولية العمل المسرحي.
منذ أخذت منطقتنا تسمية الشرق الأوسط، ارتبطت لدينا هذه التسمية بمفاهيم مؤقتة لا تتسم بالديمومة ولا تشي بالاستمرارية. مثل الصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية. في الحقيقة، قليل ممن يستخدم تسمية الشرق الأوسط من داخل الشرق الأوسط. فقط من هم خارج هذا الشرق الأوسط يسمونه كذلك جغرافيا.
لم يكن الشرق الأوسط هوية لأيٍ من شعوب المنطقة وليس تاريخا لأي من تلك الشعوب ولم يشكل الشرق الأوسط وطنا لأي من دول المنطقة، وبالتأكيد فالشرق الأوسط ليس جغرافيا بدليل أنه يتمدد تارة ليصبح الشرق الأوسط الكبير وصولا إلى أفغانستان، وتارة يتم تحديثه ليصبح الشرق الأوسط الجديد وينكمش تارة ليصبح رسوما كرتونية وعناوين إعلامية للمفهوم المؤقت لهذا الشرق الأوسط المجهول.
منذ الربيع العربي على وجه التحديد، بل منذ شارفت اتفاقية سايكس بيكو على الانتهاء، ترسخت القلاقل بشكل أكبر وارتبط الشرق الأوسط كثيرا بالمفهوم العابر والمفهوم غير المستقر وغير النهائي وغير الدائم، حتى أصبحت القضية قضايا، والصراع صراعات، والحرب حروبا، والنازحون لاجئين والمهاجرون مهجَّرين، فالأوطان تتمزق إلى فسيفساء مذهبية وطائفية وقبائلية ومناطقية، وأصبح ملاذا آمنا للإرهاب والإرهابيين، وسوقا رائجة لكل أنواع السلاح ومصدر دخل مهما لشركات السلاح، وأصبح بيئة حاضنة للمخدرات وزراعتها، ناهيك عن متعاطيها. فهل بالصدفة عرف تجار المخدرات أن هذا الشرق الأوسط مهيأة لتجارتهم؟
لقد أعاد الإرهاب رسم الحدود بين الدول، وأعاد تشكيل هويات المجتمعات، وبنى لها اقتصادات تخصها وفقا لما يحتله من مناطق. فهل كان يعرف الإرهاب موعد انتهاء اتفاقية سايكوس بيكو؟
من الواضح أن هذه المنطقة ستستمر مؤقتة وغير نهائية وغير مستقرة مستقبلا حتى يتحقق هدف ما. فالإرهاب هندسة سياسية لإعادة تشكيل الديموغرافيا، وهو هندسة إعادة صياغة الحدود، وإعادة تشكيل الدول بما يتفق مع مصلحتين مصلحة عليا ومصلحة محلية وأحيانا مصلحة إقليمية.
ويتبادر السؤال دائما لماذا الشرق الأوسط وليس منطقة أخرى؟ لماذا هذه القضايا والحروب والصراعات وتجارة السلاح وتقسيم الدول وزراعة الإرهاب وتهجير الأقليات، وتدمير المتاحف يقع في هذه المنطقة تحديدا؟
هل هي أهمية المنطقة اقتصاديا وإستراتيجيا؟ أم هي معاناة الإنسان في هذه المنطقة؟ وماذا لو لم يوجد الشرق الأوسط أصلا؟ هل كانت الدول العظمى ستستمر في نهجها هذا في مكان آخر ؟ وهل سيكون أهل تلك المنطقة مثل أهل منطقة الشرق الأوسط في قابليتهم لإشعال الحروب فوق الأرض لتسرق خيرات ما تحت أرضهم؟
لست ممن يستسلمون كثيرا لنظرية المؤامرة، لكن ما يقع في منطقتنا لا يمكن أن يتم نتيجة لغباء الإنسان في هذه المنطقة فحسب، ولا يمكن أن تكون أهمية المنطقة الاقتصادية فقط سببا وحيدا لاستمرار حالة الشرق الأوسط المضطرب، لكن المستعمرين وورثتهم لابد وأن يحدثوا معاجم اللغة بما يحسن وجه الاستعمار الجديد وأن يلتقي هذا المشروع الاستعماري مع رغبات محلية مثل سعي الأكراد لإقامة دولة لهم على أنقاض دول عربية. ومثل دغدغة أحلام الذين ينادون بالخلافة، ولا بد لورثة الاستعمار أن يدغدغوا أحلاما إقليمية كحلم الأتراك بالهيمنة على حلب وإدلب، وحلم الإيرانيين بالسيطرة على العراق وغيرها، وحلم الإسرائيليين بالتخلص من أي قوة اقتصادية أو عسكرية أو حضارية تتفوق على اقتصادهم أو مؤسستهم العسكرية أو تاريخهم المزور.
وريث الاستعمار الأوروبي ألغى الفارق الوظيفي بين الممثلين والمتفرجين، بحيث يصبح المتفرجون شركاء للممثلين من حيث لا يشعرون في لعبة إعادة تقسيم ميراث الشرق الأوسط بطريقة ما فعلته إدارة المدرسة عندما زجت بالمتفرجين مع الممثلين فيختلط الحابل بالنابل ويسهل تمرير الاستعمار الجديد وكأنه مطلب محلي وخدمة جليلة قدمها وريث المستعمرين لأهل المنطقة. لتحقيق شرق أوسط مؤقت يتغير طالما بقي المستعمر يحرك شطرنج المنطقة بعد كل حقبة سايكوس بيكة جديدة.

التعليقات ( 0 )