• ×

08:05 مساءً , الجمعة 17 شوال 1445 / 26 أبريل 2024

فهد بن سعدون الخالدي

حديث الميزانية

فهد بن سعدون الخالدي

 0  0  2.0K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
يتسيد الحديث حول الميزانية هذا العام كافة وسائل الإعلام المحلية أخباراً وتحليلات وتوقعات، بل إن الحديث حول ميزانية المملكة يتخطى كونه حدثًا محليًا لتتناوله وسائل الإعلام العربية والعالمية أيضًا. والحديث حول الميزانية هذا العام يكتسب أهمية إضافية؛ لأسباب عدة أهمها: الانخفاض الحاد الذي تشهده أسعار النفط العالمية، والأحداث السياسية والأمنية في المنطقة والتي تحتل المملكة فيها دوراً محوريًا رئيسيًا، خاصة قيادة المملكة للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن الشقيق، وموقفها من حق الشعب السوري الشقيق في الأمن والاستقرار، والتخلص من نظام يثبت يومًا بعد يوم أنه سبب كل ما تشهده سوريا من الأخطار، والذي يحول وجوده بين سوريا واستعادة أمنها واستقرارها ووحدتها.

إضافةً إلى مشاريع التنمية الطموحة التي تعمل المملكة على تنفيذها، ضمن برنامج التحول الوطني؛ استمراراً لما تضمنته الخطط الإستراتيجية والتنموية المتتابعة، والتي تعمل على تحقيق رفاهية المواطن السعودي.

والمتتبع لما تردده بعض وسائل الإعلام حول الميزانية السعودية، يلاحظ أن هناك من يحاول أن يرسم صورة سلبية عن الوضع الاقتصادي، بل ويوحي بآثار لهذا الوضع على الجوانب الهامة الأخرى؛ ليس صدقًا مع النفس ولا موضوعية في التناول والتحليل، بل لغاية في نفس يعقوب، وهو يعتمد فيما يحاول من رسم تصورات على اعتماد الكثيرين على وسائله الإعلامية وتقبله دون تمعن وتمحيص لما تردده من توقعات هي في الواقع أوهام وتمنيات؛ فهم يتحدثون عن انخفاض في الإيرادات، وتقليص في النفقات، وتآكل في الاحتياط من السيولة؛ وكلها افتراءات سرعان ما يكتشف القارئ عدم دقتها حينما يعود إلى لغة الأرقام التي توضح نوايا من يرددها، فالانخفاض في مجمل الإيرادات خلال العام الحالي لم يتجاوز 15% تمثل الإيرادات البترولية 73% منها، فيما حققت الإيرادات غير البترولية زيادة ملحوظة بنسبة نمو تعادل 29%، أما الزيادة في المصروفات في نفس العام والتي بلغت 115 مليار ريال وبنسبة بلغت 13% فهي ليست ناتجة عن الأداء الاقتصادي، وإنما جاءت بشكل رئيس نتيجة لصرف رواتب إضافية لموظفي الدولة السعوديين من المدنيين والعسكريين؛ بناءً على الأوامر الملكية التي صدرت بهذا الشأن لصالح المواطنين. أما ما صرف من هذه الزيادة في الإنفاق على المشاريع الأمنية والعسكرية فقد مثل 17% من مبلغ الزيادة بما يعادل 20 مليار ريال، إضافةً لما صرف لبرامج موجهة لصالح المواطن في مجالات: الإسكان، والمواصلات، والبنى التحتية. أما في العام الحالي فقد قدرت المصروفات بنفس المبلغ الذي قدر العام الماضي بما يعادل 840 مليار ريال بزيادة في نسبة العجز من 115 مليارا إلى 326 مليار ريال؛ وهو ناتج بشكل رئيس عن تدني أسعار النفط، والتي بلغت الحد الأدنى الذي لم تبلغه عدة سنوات مع توقع في استمرار النمو في الناتج المحلي الإجمالي، إضافةً إلى نمو محدود في القطاع النفطي ومعدلات نمو أخرى في معظم قطاعات الإنتاج، وخاصةً القطاع المصرفي والاتصالات والبناء والعقارات وتجارة الجملة والتجزئة والصناعات التحويلية والفنادق والمطاعم وخدمات التأمين وغيرها من خدمات الأعمال، وقد ساعد النمو والارتفاع في هذه المجالات التي تشكل مجمل الإيرادات غير البترولية في تقليص العجز في الموازنة بما يوازي 163 مليار ريال.

والملاحظ أن محاولات تخويف الناس التي تقوم بها هذه الحملات لم تجد نفعًا، مما يدل بشكل واضح على أن المواطن يثق في قدرة الدولة على تجاوز مثل هذه الظروف، والتي يتكرر حدوثها في كثير من الدول، بل هي في بلادنا أقل بكثير من غيرها، وهذه الثقة يؤكدها حرص الدولة على عدم تأثر الخدمات الرئيسية: كالتعليم، والصحة، والخدمات البلدية، وتمويل المشاريع التي يجري تنفيذها حاليًا. ومما يبعث على الثقة زيادة اقتناع المواطنين يومًا بعد يوم بقدرة القيادة على استشراف المستقبل، من خلال إعادة هيكلة المؤسسات وتحديد مراكز القرار، والذي تجلى بتشكيل كل من: مجلس الشئون السياسية والأمنية، ومجلس الشئون الاقتصادية والتنمية، وإسناد مسؤوليتهما إلى كل من سمو ولي العهد وسمو ولي ولي العهد؛ ضمانًا لوحدة القرار وصوابه، إضافةً إلى ما وجه به خادم الحرمين الشريفين في كلمته التي ألقاها بمناسبة صدور الميزانية، والتي تضمنت توجهه -يحفظه الله- بإطلاق إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية شاملة، واستمرار مراجعة أنظمة الدولة الرقابية بما يضمن سلامة تنفيذ القرارات والخطط، ومواصلة تنفيذ المشاريع التنموية والخدمية، وتطوير الخدمات الحكومية، وتحقيق الكفاءة في توظيف الموارد والحد من الهدر، والحرص -قبل ذلك- على تقليل الآثار السلبية على المواطنين، ومواصلة تنفيذ التنمية المتوازنة في كافة مناطق المملكة..

على أية حال، فإن قراءة متأنية لأرقام الموازنة بموضوعية وحيادية وتجرد من الأحكام المسبقة، هي كافية بالتأكيد لغرس الاطمئنان والثقة في نفوس محبي هذا الوطن وإيمانهم بقدرته -بعون الله- على المحافظة على مسيرة نهضته الشاملة.

أما هؤلاء الذين يتربصون بالوطن وينتظرون أي وهم يزين لهم أوهامهم وأحلامهم، فإن انتظارهم سيطول بالتأكيد دون أن تتحقق هذه الأحلام -بإذن الله-.

التعليقات ( 0 )