• ×

01:20 صباحًا , الإثنين 20 شوال 1445 / 29 أبريل 2024

admin

الخادم أولا لا القائد أولا

admin

 0  0  1.4K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الخادم أولا لا القائد أولا

كيف تصبح قائدا خادما؟
د. محمد الخالدي
إنِّي امرؤٌ عافِي إنائِيَ شِرْكةٌ ... وأنتَ امرؤٌ عافِي إنائِك واحدُ

أتهزُأ مِنِّي أَنْ سَمِنْتَ وأَنْ تَرى ... بجسمي شحوبَ الحقِّ والحقُّ جاهدُ

أفرِّقُ جِسمي في جِسومٍ كثيرةٍ ... وأحْسُو قراحَ الماءِ والماءُ باردُ

(عروة بن الورد)

قال "لاو-تزو" الفيلسوف الصيني الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد: "إن أفضل نموذج للقائد هو الذي لا تكاد الناس تدرك وجوده. يعمل بصمت، وعندما يكمل عمله، ويحقق أهدافه، يقول الناس نحن حققنا ذلك بأنفسنا." فالقائد الخادم تحفزّه للعمل مجموعة من المبادئ والقيم والمعتقدات، وعلى الأخص اعتقاده أنه يقوم بهذا الدور من أجل مصلحة وتنمية أولئك الناس الذين يقودهم. فالقيادة الخادمة ليس لها علاقة كبيرة بما يفعله القائد، ولكن لها كل العلاقة بالدافع وراء ذلك. ويفسر ذلك قول المهاتما غاندي: "إن أفضل طريقة لتجد نفسك هو أن تفقدها من أجل خدمة الآخرين." أي أن القائد المشغول بنفسه لا يكون قائدا خادما.

إن القائد الخادم هو خادم في المقام الأول. ويبدأ ذلك بشعور طبيعي للرغبة في الخدمة. ومن ثمَّ فإن هذا الاختيار الواعي يقود إلى التطلع للقيادة. وهذا الإنسان مختلف جدا عن الشخص الذي يكون قائدا أولا، ربما لإشباع رغبة لديه في التسلط أو لامتلاك أشياء مادية. فـ"الخادم أولا"، و"القائد أولا" هما نوعان على طرفي نقيض. وبينهما ألوان متدرجة وخليط من هذا وذاك تعكس الأنماط التي لا حصر لها من الطبائع البشرية.

والفرق الشاسع بين الشخصيتين يتمثل في أن القائد "الخادم أولا" يسعى للتأكد من أن الاحتياجات ذات الأولوية للآخرين ملبّاة. فهو يسعى لتحويل أتباعه بشكل يجعلهم ينْمُون بشكل صحّي أكثر، ويكونون أكثر استقلالية، ويتحولون أنفسهم إلى قادة خادمين لغيرهم. ويركز كذلك على نمو ورفاه الناس والمجتمع الذي ينتمي إليه. وبينما تنطوي القيادة التقليدية عموما على تركيز السلطة واستخدامها من قبل شخص واحد في "قمة الهرم،" فإن القيادة الخادمة تشارك الناس في السلطة، وتضع حاجات الناس أولا، وتساعد الناس للوصول لأعلى إمكانياتهم في التطور والأداء.

ومع وجود نماذج بارزة عبر التاريخ من القادة الخادمين، فإن هناك إشكالية كبيرة في ممارسة القيادة الخادمة في البيئات الهرمية والاستبدادية، حيث ينحصر اتخاذ كل القرارات على القادة. وفي مثل هذه البيئة، فإنه يصعب على القائد الخادم كسب الاحترام.

إن الأثر الإيجابي لمنهج القائد الخادم لا يقتصر على الأفراد التابعين للقائد، من حيث تطورهم ونجاحهم، ولا على نجاح المنظمات التي يقودونها، ولكن يتعدى ذلك ليشمل القادة الخادمين أنفسهم. هناك مجموعة من علماء النفس التنظيمي يَرَوْن أن القيادة الخادمة تجعل القادة راضين عن أنفسهم بشكل أفضل، وكذلك تكون إنتاجيتهم أكثر. كما وجدوا أنهم يحصلون من خلال اتصالاتهم على معلومات وأفكار هامة، تجعلهم أكثر فاعلية وإنتاجية. وقد عبر عن ذلك خير تعبير الفيلسوف "ألبرت سكويتزير،" وأحد الحائزين على جائزة نوبل للسلام، حين قال: "أنا لا أعرف ماذا سيكون مصيركم، ولكن هناك شيئا واحدا أعرفه. فالوحيدون بينكم الذين سوف يكونون سعداء حقا هم أولئك الذين سعوا بجد ووجدوا طريقهم لخدمة الآخرين."

وأختم بقصة وقعت في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وكنت أحد شهودها. كان هناك شاب قليل التعليم تقدم لوظيفة "مراسل" وعُيّن في مكتب أحد العمداء. ولكنه كان غير متعاون كما ذكر ذلك العميد الذي طلب أن يُفصل من عمله، حيث كان في الفترة التجريبية. فقد رفض القيام ببعض الأعمال مثل إعداد الشاي وتقديمه للعميد، بحجة أنه ابن قبيلة ولا يليق به مثل هذا العمل. فكرت في الأمر وأردت إعطاءه فرصة أخرى بعد مقابلته. نقلته إلى قسم مختلف يرأسه أستاذ متواضع ويتحسس حاجات موظفيه ويتواصل معهم. لم أُخفِ شيئا عن الرئيس الجديد الذي كان في حاجة إلى مراسل، وطلبت منه التأكد من صلاحيته للعمل. بعد شهرين، كلمته هاتفيا وطلبت منه معرفة أداء الموظف الجديد. فاجأني بقوله إنه من أفضل الناس لديه، فهو مجتهد ومواظب على عمله، ولا يرفض أي عمل يوكل إليه. قلت له: "كيف حصل هذا؟" قال لي: "في اليوم الأول من عمله، هيأت له طاولة وكرسيا وقلت له هذا مكتبك، هل تشرب الشاي أم القهوة؟ قال أفضل الشاي. ولكن لِماذا تسأل؟ قلت له سأعد لك الشاي بيديّ احتفاء بقدومك. تلعثم وظهرت عليه علامات الخجل. وبالفعل عملت له الشاي بنفسي وقدمته له على الطاولة، وهو في حالة حرج شديد. وقلت له كلنا لا نستنكف من القيام بمهام العمل. ونحن أخوة وزملاء هنا، وأنا مَوجود لخدمتك. ومنذ تلك اللحظة رأيته شخصا مختلفا عما ذكرت، ولا يمكن لي أن أفرط فيه." فالعبرة، إن احتاج القائد إلى التغيير، فالأولى هو تغيير بيئة العمل وطريقة تعامله مع الناس، لا الناس. فأحيانا قد يؤدي تحسين بسيط في بيئة العمل إلى نجاحات كبيرة.

التعليقات ( 0 )