• ×

07:32 صباحًا , الإثنين 20 شوال 1445 / 29 أبريل 2024

admin

المنافقون أعلى الناس صوتاً

admin

 1  0  1.9K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
المنافقون أعلى الناس صوتاً
د. محمد الخالدي
لأَيِّ خَلِيلٍ فِي الزَّمَانِ أُرَافِقُ ... وأكثرُ من لاقيتُ خَبٌّ مُنافِقٌ؟

بَلَوْتُ بَنِي الدُّنْيَا، فَلَمْ أَرَ صَادِقاً ... فَأَيْنَ لَعَمْرِي الأَكْرَمُونَ الأَصَادِقُ؟

فَأَعْلَمُهُمْ عِنْدَ الْخُصُومَةِ جاهِلٌ ... وأَتْقَاهُمُ عِنْد الْعَفَافَةِ فَاسِقُ

(محمود سامي البارودي)

يحدث النفاق الأخلاقي عندما يدّعي الشخص الالتزام بمعايير أخلاقية، ولكنه يتصرف بطريقة ينتهك بها تلك المعايير الأخلاقية أو يناقضها. كما أن النِّفَاق الأخلاقي لا ينحصر في عدم الثبات في التصرف تجاه المبادئ والقيم الأخلاقية المعلنة، ولكن قد يعني أيضا الثبات على أنماط من التصرف على نحو تمثيلي دون إيمان أو التزام وجداني صميم.

قام فريق بحث بجامعة سنغافورة الوطنية (2011) بدراسة الشعور بالفخر في مقابل الشعور بالامتنان وتأثير ذلك على النفاق الأخلاقي. وقد أكد هذا البحث الذي أجرى في بيئة آسيوية ما سبق وأكدته دراسات سابقة في الولايات المتحدة الأمريكية، بأن الأشخاص الذين يحملون شعورا أكبر بالفخر يُظهرون مستوى أعلى من النفاق الأخلاقي. بينما أبدى الأشخاص الممتنون أقل مستوى من النفاق الأخلاقي.

وفي بحث قامت به جامعة "نورثويسترين" بأمريكا بالتعاون مع جامعة هولندا (2009)، وجدوا أن امتلاك السلطة والنفوذ يقود إلى النفاق الأخلاقي. كما وجدوا أن السلطة تجعل الناس أكثر قسوة في الحكم الأخلاقي على الآخرين، في حين تجعلهم أقل صرامة في الحكم على أنفسهم. فقادة الشركات يواصلون التنقل بطائراتهم الخاصة في الوقت الذي يوقفون كثيرا من البدلات والامتيازات على بقية الموظفين. كما أن كثيرا من كبار الموظفين الحكوميين، يسخرون الأموال العامة لمصالحهم الذاتية. وقد عزا البحث سبب ذلك إلى أن السلطة والنفوذ تحمل معها شعورا قويا بالاستحقاق يعطي على إثرها صاحب السلطة نفسه الحق بالانحراف قليلا عن القواعد الأخلاقية التي يطالب الآخرين باتباعها.

ولكن كيف يمكن أن يعترف الناس بالتناقض في تصرفاتهم دون الإحساس بأنهم منافقون؟ قام باحثان من جامعة ستانفورد (2010) بتقديم تفسير لهذا. وهو أنهم يضعون وزنا كبيرا لنواياهم أكثر من أفعالهم عندما يقيّمون أخلاقياتهم. ولكن ليس عندما يقيمون أخلاقيات الآخرين. كما أن التناقص في التصرف قد يجيزه الإنسان لنفسه على أنه ليس نفاقا، إذا كانت الأفعال المتناقضة توازن بعضها. وهذا ينطبق على سبيل المثال على من يرتكب المعاصي والموبقات، ولكن يُعقب ذلك بالاستغفار، ولا يعتقد أنه يرتكب نفاقا أخلاقيا.

ويبرر هذا التناقض على أساس أن هناك حدا أدنى من الفعل الجيد الذي قد يغطي في نظرهم على الفعل السيئ، ولا يمنع تحقيق الهدف الرئيس. فالإنسان هنا يتعامل في سلوكه تماما كما يتعامل مع الحساب البنكي. فهو يستطيع أن يودع في حسابه لزيادة رصيده الأخلاقي. وفي الوقت نفسه يمكنه أن يسحب من حسابه عند الحاجة، من خلال أفعال غير أخلاقية، شريطة ألا ينخفض حسابه عن حد معيّن.

وبالنسبة للمراقبين من الخارج، فقد يقبلون وجود التناقض في تصرف الآخرين، إذا وضعت أو صنفت تصرفاتهم الأخلاقية واللا أخلاقية في موازين مختلفة أو حسابات بنكية مختلفة. فمثلا لو عُرف شخص بأنه مناهض للعنصرية وداعم للتنوع العرقي في مجال العمل، فإنه سوف يعامل بليونة أكثر من قِبَل زملائه في العمل، عند اتهامه بجريمة تحرش جنسي. ولكنه لن يجد تعاطفا في حال اتهامه بممارسة تفرقة عنصرية.

كما وُجد أن الدافع القِيَمي عند الناس يكون متعلقا بالمستقبل أكثر منه بالحاضر. أي إن الناس تتقبل التناقض إذا كان هناك فصل زماني أو مكاني بين الأفعال. فالاختلال بين النظرية والتطبيق، قد لا يُستنكر إذا جُعل التطبيق (غير الأخلاقي) حاضرا، وتُرك التنظير (الأخلاقي) للمستقبل.

يقول "ديستينو" وهو طبيب نفساني في جامعة نورث إيسترن، إن المجموعة تعفي أي شخص من أفرادها من تجاوزاته الأخلاقية لتحافظ على تماسك المجموعة. وتصبح عندها المعايير الأخلاقية مطاطة، في الوقت الذي تكون فيه صارمة مع الأشخاص خارج الفريق.

وقد وجد الباحثان "هيرسبرجر" و"بيسكيسينكي" (2010)، أن ثقة الإنسان في نزاهته الأخلاقية قد تسوِّغ له ارتكاب سلوك غير أخلاقي دون أن يشعر أنه متناقض في تصرفاته. فالقاضي الذي يرى أنه حام للقيم الأخلاقية قد يرتشي دون الإحساس بأنه قد خان الأمانة. وهذا يحدث إما بسبب أن الشخص قد قدم سابقا ما يبرهن على نزاهته، أو أنه يشعر بأن مجموعته لها نزاهة أخلاقية خاصة. ويؤكد ذلك ما وجُد في أمريكا وكندا من أن أكثر السرقات في المحلات التجارية مصدرها الموظفون وليس الزبائن. وبذلك يصدق المثل القائل "مِنْ مَأْمَنِه يُؤتى الحَذِر."

هناك فرق بين التناقض السلوكي والنفاق الأخلاقي. فقد يكون هناك عدم ثبات في التصرف دون وجود نفاق. كما يمكن أن يكون هناك نفاق دون وجود تناقض في التصرف. وتكون الحالة المثالية من النزاهة الأخلاقية، حيث توجد النوايا الأخلاقية النقية التي تستند فقط على الاعتبارات النبيلة والعادلة، ويكون هناك ثبات في السلوك الأخلاقي، تتطابق فيه المواقف العلنية مع النوايا الحسنة.

*أكاديمي مهتم بقضايا الموارد البشرية

التعليقات ( 1 )

الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    10-02-1436 02:12 مساءً ضيف الله الخالدي :
    أستاذي العزيز

    الأخلاق عبارة عن مخترع بشري مثله مثل هذا الجهاز الذي أكتب ردي عليه. وبما أنها مخترع بشري ولكي تتعامل معها باحترافية عالية يجب عليك الحصول على أخر نسخة منها. أما إن حصرت نفسك في ماضيها فأنت في ماضيها. النسخة الحالية منها تقول:

    لا تثق إلا بالله ولا تعترف إلا بلضله.