• ×

07:26 صباحًا , الإثنين 20 شوال 1445 / 29 أبريل 2024

د محمد الخالدي

المسؤولية والسلطة الوظيفية د. محمد الخالدي

د محمد الخالدي

 0  0  1.7K
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
المسؤولية والسلطة الوظيفية
د. محمد الخالدي
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ» [الأنفال:27]

تشمل ممارسات الفساد في القطاع العام الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة العامة مثل: الرشوة، الاختلاس، استثمار الوظيفة، إساءة استخدام السلطة. وتشمل الجرائم المخلة بالثقة العامة مثل: التزوير، التزييف، وانتحال الهوية. وتشمل أيضا قبول الواسطة أو المحسوبية التي تلغي حقا أو تحقّ باطلا، والكسب غير المشروع، وغسيل الأموال، وكل فعل يؤدي للمساس بالأموال العامة.

والرشوة هي رأس الفساد، سواء دفعت عن طيب خاطر بمبادرة من الراشي، أو أنها تمت عن طريق الابتزاز. والرشوة هي الرشوة سواء دفعت من أجل الحصول على ما هو حق قانوني، أو دفعت للحصول على ما هو حق للآخرين.

ولكن ما علاقة الفساد بالسلطة الوظيفية؟ هل السلطة هي محفزة للفساد؟ قد لا يكون الجواب سهلا. ولكن القيادة في أساسها مرتبطة بالسلطة والتأثير على الناس. فالمسؤول يستخدم سلطته من أجل إنجاز الأشياء. ويحدث في كثير من الأحيان أن تتعارض المصلحة العامة مع المصلحة الشخصية، فإن تغلبت المصلحة الشخصية ظهر الفساد. وعند ذلك، يلجأ المسؤول العام إلى استخدام الاستثناءات لنفسه، باعتقاده أن الأنظمة والقوانين التي تحدد ما هو صحيح وما هو خطأ لا تنطبق عليه. كما أن ما يشجع المسؤول على تغليب مصلحته الشخصية هو اعتقاده بالإفلات من العقاب.

كنت أتبضع عند بعض محلات الخضار والفواكة في مدينة الخبر. فإذا بأحد السائقين الآسيويين يوقف سيارته ليشتري بعض الخضار. فقال لي صاحب المحل: كثير من السائقين عندما يطلبون الفاتورة يطلبون أن نزيد في السعر ويعرضون علينا تقاسم هذه الزيادة معهم. هذا مثال بسيط على من قد نسميهم سارقين أو فاسدين أو خونة، أو كل ذلك معا. وهذا السائق قد يتجرأ ويسرق عشرين ريالا أو أقل في كل مرة. وهو يسرق مالًا لا يدّعي أنه مؤتمن عليه. وفي موازاة ذلك، هناك موظفون ومسؤولون عامون في دول كثيرة غنية وفقيرة، نامية ومتقدمة، يشبهون سائق العائلة الفاسد، ولكن على شكل أسوأ ونطاق أوسع. فأحدهم يوقع عقد استشارة أو شراء مواد أو بناء منشآت ويطلب من البائع إضافة عدة ملايين من الدولارات فقط على السعر الحقيقي، ليتقاسمها معهم. فيخون وطنه ويسرق مالًا وجمهورًا يدّعي صيانتهما وحمايتهما، لأجل مصالحه الشخصية.

وقد يكون لدى رئيس المؤسسة الحكومية أتباع وأقرباء يمارسون الفساد من خلاله. ويستخدمون اسمه ليبتزوا به الآخرين ويسلبوا حقوقهم ويكمموا أفواههم. فكثير من المنافقين والفاسدين ربما أيضا يوحون أنهم يتصرفون برضا الإدارة العليا، ليمنعوا بذلك المساءلة، ويسدوا باب النقاش الجدي، ويحولوا دون تناول القضايا بشكل مهني واحترافي من أصحاب الاختصاص. فتتم ترقية من لا يستحق، ويعيّن من هو غير مؤهل، وترسى المناقصة على من هو غير كفء لها، وتُثمَّن الأراضي والأملاك بغير أثمانها.

في العام 2014 أصدرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقريرا حول الرشوة الخارجية، من خلال أكبر استطلاع ضم 427 حالة رشوة في 41 دولة (ليس من بينها للأسف أية دولة عربية) عضو في المنظمة وموقعة على اتفاقية مكافحة الرشوة المبرمة في العام 1999. وقد خرج التقرير بالاستنتاجات المبهرة التالية:

(1) الخطر الأكبر يأتي من الشركات المملوكة للدولة، وليس الوزراء أو المسؤولين الكبار في الدولة، حيث إن 80% من الرشاوى تقدم للمسؤولين في هذه الشركات. ويلي ذلك في تسلم الرشاوى المسؤولون في الجمارك. ويشمل ذلك المسؤولين الذين لهم علاقة بالسفر الدولي والسلع المستوردة أو التجارة عبر الحدود. (2) تنشأ معظم حالات الفساد في مجالات الشراء الحكومي والتشغيل. فقد وجد أن 57% من الحالات مرتبطة بمحاولات الحصول على عقود تأمين مشتريات حكومية. وما تبقى من الحالات (43%) تنشأ من الأنشطة التشغيلية مثل: التخليص الجمركي، ومنح التراخيص وتأشيرات السفر. (3) وغالبا ما تشارك الإدارة العليا في الرشوة، بعكس ما يعتقد أن الرشوة محصورة في صغار الموظفين. فقد وجد أن الإدارة العليا تساهم في أكثر من 50% من حالات الرشوة. (4) هناك خطر كبير من الطرف الثالث والوسيط. فقد وجد أن 75% من الرشاوى تم دفعها من قبل وسطاء نيابة عن الشركات العميلة. (5) أن الفساد في ازدياد. فقد وجد أن 85% من كل حالات الرشوة على مدى السنوات الـ 15 الماضية، وقعت في السنوات الست الماضية وحدها.

من المهم وضع برامج تدريب مركزة وإجبارية لموظفي الدولة - وخاصة العاملين في مجال المشتريات والجمارك - حول مكافحة الفساد، من أجل رفع مستوى الوعي في قضايا الفساد. ولأهمية دور المسؤول في المؤسسة الحكومية في ترسيخ ثقافة النزاهة، فلا بد أن تكون سلطات المسؤول العام محددة، وأن يكون خاضعا للمحاسبة. ومن الضرورة بمكان تطبيق قانون من أين لك هذا على الجميع، برقابة وأدوات شعبية. فبالإضافة إلى التقليد المتبع بإلقاء القسم عند استلام المنصب، فالأجدر أيضا أن يفصح كل مسؤول بما لديه وما لدى أقربائه من أموال وأملاك قبل الشروع بالوظيفة العامة؟ وبعد تقلد الوظيفة يصدر المسؤول تقريرا شهريا بما تقاضاه من رواتب ومزايا وعطايا وهدايا ومنح. وعند انتهاء خدمته العامة تجْرَد أملاكه وأملاك القريبين منه ويخضع للمساءلة. وتكون هناك مسبقا آلية لمنع المسؤول العام من العمل بعد ترك الوظيفة الحكومية في مجالات أو منظمات يتداخل عملها مع عمل مؤسسته الحكومية.

التعليقات ( 0 )